أشعر
أن ميدان التحرير أصبح «وظيفة»، وقد يصل الأمر إلى وضعه تحت الاسم فى
«الكارت الشخصى».. هذا لا يهمنى كثيراً، كذلك لا يهمنى أن الـ٨٥ مليون مصرى
باتوا يزعمون أنهم كانوا فى «التحرير».. الميدان تحول إلى «ضريح كبير»..
وكل شخص يدعى أنه كان رفيق الشيخ المدفون هناك.. الصوت العالى يرهب أى
مصرى.. وإذا تجاسرت وعبرت عن رأى مخالف، فأنت من أعداء الثورة أو فلول النظام..!
أين
الثورة اليوم.. لقد خصصنا ميدان التحرير للشعارات والهتافات، بينما واقعنا
يزداد سوءاً.. أى ثورة تلك التى لم تنجح فى إصلاح المجتمع وتغيير الناس
إلى الأفضل.. أشعر أنها الآن تفرز اللون الأسود داخل كل منا.. نحن نهتف من
أجل العمل والبناء، بينما مازلنا نعمل ٢٧ دقيقة يومياً مثل الماضى.. نزعم
أن الثورة حررتنا من الخوف والقمع، ثم نمارس القمع ضد بعضنا البعض.. نقول
للعالم إن المصرى الجديد سيبنى بلداً جديداً، بينما ينشغل كل منا فى نهش
قطعة من جسد مصر المنهك.. أى ثورة تلك التى تمزقنا إلى أشلاء على قارعة
الطريق..؟!
نحن - للأسف - أصغر من الثورة العظيمة التى صنعناها..
الأحزاب والإخوان والسياسيون يبرمون الصفقات فى الغرف المغلقة.. أنت تأخذ
كذا، وأنا نصيبى كذا.. شباب الثورة انقسموا إلى عشرات الائتلافات.. وكل
ائتلاف يشتم الآخر على شاشات التليفزيون.. كل ثلاثة أشخاص ائتلاف.. وكل
عشرة حزب..
ومطلوب من شاب مثلى أن ينضم لأحدهم ليتحول إلى وقود
للتخوين وتبادل الاتهامات.. والإعلاميون أصبحوا «أراجوزات» فى مولد
الثورة.. والإعلانات بملايينها هى التى تحدد من يخرج على الناس كل ليلة..
وماذا يقول.. و«النقوط» يملأ الاستوديو الأكثر ضجيجاً وشتماً.. وأنا أمسك
بالريموت تائهاً.. أيهم أصدق.. والصحف تحولت إلى «حبل غسيل».. «القومية»
تفضح «سيدها» الذى كانت تصلى فى محرابه، لتثبت للناس أنها أصبحت حرة..
و«المستقلة» و«المعارضة» تصرخ «أنا أسقطت النظام».. وكلها باتت مثل «سندوتش
السمين» فى مولد السيدة..!
الثورة هدمت معبد النظام.. ولكنها لم
تضع حجراً واحداً فى بنيان جديد.. تركتنا فى العراء نأكل بعضنا البعض..
الفساد لايزال فى دمائنا.. الرشوة فى كل مكان.. الشارع غارق فى الفوضى..
والعالم الذى أعلن انبهاره بـ١٨ يوماً فى ميدان التحرير سوف يتفرج علينا
ونحن نسقط.. أنا خائف ومرعوب على مصر..!