وصف المفكر الإسلامي المعروف، الدكتور محمد سليم العوا، عضو مجلس
أمناء الاتحاد العالمي لعلماء المسلمين ورئيس مجلس إدارة جمعية مصر للثقافة
والحوار والرئيس الفخري لجمعية حماة المستقبل، ثورة 25 يناير بأنها ثورة
تلقائية وشعبية عامة لم يكن لها زعيم أو قائد، واتسمت بشكل حضاري راقٍ
سلمي، لأن الملايين خرجوا بأيدٍ خاوية دون محاولة المواجهة مع أحد، وكانت
شعبية عامة، بعد خروج كافة أطياف المجتمع للتظاهر، استجابة لدعوة الشباب،
أما الرقي فظهر في خلق الناس وأمانتهم، جاء ذلك خلال الندوة التي عقدتها
مكتبة الإسكندرية أمس تحت عنوان "مصر بعد ثورة 25 يناير".
واعتبر
العوا أن الرئيس السابق مبارك كان بوسعه تجنب هذا الخروج المهين من الحكم،
لو كان قد استجاب لإرادة الشعب في أول الأمر في 26 يناير الماضي، لكنه أصر
على أن يخرج من الحكم بهذا الخروج السيئ، إلى أن يصل الأمر به لمنعه من
السفر، والتحفظ على أمواله.
وضجت القاعة بالتصفيق حين أشار العوا
إلى خبر الإفراج عن قياديي الإخوان خيرت الشاطر وحسن مالك المسجونين بأحكام
صادرة عن القضاء العسكري، والتي اعتبرها خطوة عظيمة، لن تكتمل إلا
بالإفراج عن جميع المعتقلين السياسيين.
وكشف العوا أن أحد قيادات
المجلس الأعلى للقوات المسلحة قال له إنهم كانوا أمام خيارين إما أن ننضم
للشعب أو لمبارك، وأن الجيش حسم أمره باختيار الشعب، كونه الباقي والمعبر
عن الوطن، مضيفا أن المجلس الأعلى للقوات المسلحة بما يقوم به من إجراءات
منذ توليه أمور البلاد عقب تنحي مبارك يستحق الاحترام والتقدير والصبر،
واصفا اعتذاره عن أحداث الجمعة الماضية بمسلك ينم عن رقي وتفهم لمجريات
الأمور.
وأشار العوا إلى قائمة أهداف محددة يجب أن يعني شباب الثورة
بتحقيقها في هذه الفترة الانتقالية، منها: أهمية وجود قضاء مستقل، لا
يتدخل فيه رئيس الجمهورية أو وزير العدل، ورد المحكمة الدستورية إلى القضاء
العام، و"تشبيب الدولة"، أي زيادة الاعتماد على طاقات الشباب وإسناد
المناصب والقيادات إليهم، وإقامة رقابة حقيقية على المال العام، والاستقلال
الحقيقي للجامعات، ووجود جهاز شرطة يقوم على نشر الأمن والمنع الوقائي
للجرائم، وخدمة الشعب.
وشدد على أهمية إعادة النظر في العلاقة مع كل
من الولايات المتحدة وإسرائيل، مبينًا أن التدخل الأمريكي في الشؤون
المصرية غير مقبول، وأنه من الضروري الاستغناء عن المعونة الأمريكية،
والاعتماد على ثروات مصر الغنية، قائلاً: إن مصر يجب أن تستعيد العلاقة
الطبيعية مع إسرائيل كعدو لا حليف أو صديق، وبإثبات العداوة لا التطبيع، مع
أهمية اعتبار الحالة بين البلدين حالة هدنة، لا حالة سلام. وأكد أهمية
وجود علاقة طبيعية مع فلسطين وإيران، تقوم على دعم المقاومة الفلسطينية،
وعدم اعتبار إيران عدو، بل التعامل معها كدولة تسعى لنشر ثقافتها وحضارتها
وإسلامها.
وشهدت الندوة حضورا كثيفا من أطياف المجتمع، أجاب فيها
العوا على عدد من تساؤلات الحضور عن الأوضاع الراهنة في مصر والعالم
العربي، والمرحلة الانتقالية، والدولة المدنية، حيث أكد أن "الثورة المضادة
هي أكذوبة كبرى، يروج لها المتشائمون ومحبو نشر الإشاعات، قائلاً إن ثورة
25 يناير أنتجت "تيارا عاما مصريا"، يتحد فيه أفراد المجتمع كافة، ويتابع
تحقيق آمال الثورة ويخلق لها آمال وتطلعات جديدة، ويعمل على المحافظة على
مكتسبات الثورة وتطويرها.
وأشار إلى أنه لا يعارض استمرار
التظاهرات، طالما أنها تتم يوم الجمعة، حتى لا تتعطل عجلة الإنتاج، خاصة أن
المصريين نالوا حقهم في التظاهر السلمي بعد قمع استمر ثلاثين عامًا، ولا
يجب التخلي عن هذا الحق أبدا. وقال إنه بالرغم من أنه يدرك أهمية المطالب
الفئوية، إلا أنها لا تجوز في الوقت الحالي، لأنها تعطل العمل، وتصرف عن
العمل الأهم وهو تتبع الفساد والإفساد.
وعن الدولة المدنية والدولة
الإسلامية، أكد أن الدولة في عهد الرسول صلى الله عليه وسلم كانت دولة
مدنية بمرجع إسلامي، وأن "دستور المدينة" لم يؤسس دولة إسلامية، مبينًا أنه
لا يجب أن نقبل دولة يحكم فيها علماء الدين، بل من هم مؤهلون للحكم، مضيفا
أن فكرة حكومة "الوحدة الوطنية" غير مطروحة وغير مقبولة، أما المقترحات
المقبولة هي إنشاء حكومة تكنوقراط.
وعن ثورة ليبيا التي دخلت يومها
الـ15، أشار العوا إلى أن أي تدخل عربي أو دولي في الشأن الليبي سوف
يفسده، وأن الأمر كله موكل لليبيين أنفسهم وبأيديهم، منوهاً إلى وجود
مصريين عالقين على الحدود الليبية يحتاجون إلى تدخل من المجلس الأعلى
للقوات المسلحة لإجلائهم.
وشدد العوا على أن محاكمة أركان نظام مبارك
تجعل كل مجرم أو مفسد يشعر أنه في خوف، وأنه مهما طال الزمن سوف يحاسب على
جرائمه في حق الوطن والمال العام، ويعد رادعًا عامًا لأي شخص ليعرف مصير
الفسدة والمفسدين.
ولفت إلى أن فكرة "حل أمن الدولة" تعد من الإسراف
والعبث ولا تجوز، لأنها ستؤدي لخسائر مادية، بل يجب وضع مهام محددة لهذا
الجهاز، تقوم على الحفاظ على الأمن، والتشديد على محاكمة الفاسدين من
أعضائه.