تُقدَّم مظاهرات 30 يونيو/حزيران الماضي في مصر بوصفها ثورة جديدة تجبّ ما قبلها، وتبرر للانقلاب الأبيض الذي قام به الجيش على الرئيس المنتخب محمد مرسي، وحل مجلس الشورى المنتخب، وإلغاء الدستور الذي حظي بأغلبية عند الاستفتاء عليه.
ويجادل مؤيدو الانقلاب في شرعية ما قام به الجيش استنادا إلى ما أطلقوا عليه "شرعية الشارع"، وهو ما يفيد بأن "الأعداد الكبيرة" التي خرجت اعتراضا على مرسي يوم 30 يونيو/حزيران الماضي تُعد شرعية جديدة تلغي الشرعية الدستورية بأكملها وتخول الجيش التدخل خشية الوقوع في "الفوضى".
وفي سبيل تأكيد هذه الشرعية يسوق معارضو مرسي أرقاما فلكية لتقدير أعداد من خرج للتظاهر في ذلك اليوم. وبينما بدأ الحديث عن ملايين في بداية المظاهرات، تضاعف العدد بصورة كبيرة ليصل إلى 17 مليونا ثم عشرين ثم ثلاثين وحتى أربعين مليونا، دون الاستناد إلى منطق واضح في مثل هذه الأرقام.
فيديو غير حقيقي
ولترسيخ ضخامة العدد أخرجت قيادة الجيش طائرة برفقة مخرج من صقور معارضي مرسي لتصوير الحشود، ووُزعت صور الفيديو على الإعلام المصري، لكن كثيرين تساءلوا عن سبب إشراف المخرج المناوئ لمرسي على عملية التصوير، ليظهر بعد ذلك أن الفيديو صوّر الحشود على غير حقيقتها، وأنه استخدم في التسجيل صورا لمتظاهرين خرجوا تأييدا لمرسي وأخرى كانت إبان ثورة 25 يناير/كانون الثاني 2011.
مقولات كثيرة تخرج من هنا وهناك ترويجا لمثل هذه الأعداد، من ذلك الإعلان أن هذه الأعداد مستمدة من تحليلات أجراها البرنامج الشهير غوغل إيرث، لكنك ستعود خائبا إذا بحثت في شبكة الإنترنت عن أي شيء لغوغل يعزز هذا الادعاء. بل إن مصادر مستقلة سعت لاستخدام معايير غوغل إيرث نفسها في تقدير الأعداد التي خرجت يوم 30 يونيو/حزيران.
ووفقا لموقع "ميمو" (ميدل إيست مونيتر) احتسب باحثون غربيون مساحة المناطق التي خرجت فيها مظاهرات المعارضة يومها، وقدرت أن الحشود في ذروتها لا يمكنها أن تستوعب أكثر من أربعة أشخاص في المتر المربع الواحد، وبناء على ذلك فإن منطقتي ميدان التحرير وقصر الاتحادية اللتين خرج فيهما المعارضون لا تستوعبان أكثر من 632 ألف متظاهر بأي حال من الأحوال. وفي أكثر التقديرات تفاؤلا، فإن العدد لن يتجاوز المليون أو المليونين إذا افترضنا وجود مجاميع متظاهرة في أماكن أخرى، فكيف وصل العدد إلى 30 و40 مليونا؟
إثارة شك
يسوق موقع ميمو في لعبة الأرقام هذه تصريحات لرئيس الوزراء البريطاني السابق توني بلير اعتبرها "مثيرة للشك"، ذلك أنه قال إنه كان على الجيش المصري أن يختار بين "التدخل أو الفوضى". وأضاف أن وجود "17 مليون فرد في الشوارع رغم أنه لا يعتبر انتخابات، فإنه استعراض رائع لقوة الشعب".
"
موقع ميمو:
الحشود في ذروتها لا يمكن أن تستوعب أكثر من أربعة أشخاص في المتر المربع، وعليه فإن منطقتي ميدان التحرير وقصر الاتحادية لا تستوعبان أكثر من 632 ألف متظاهر
" واستحضر الموقع -ردا على بلير- مظاهرات عام 2003 التي خرجت في لندن مع 800 مدينة حول العالم احتجاجا على الحرب في العراق، وقدر مراقبون عدد من خرجوا حينها بثلاثين مليونا بينما وصفت بأنها "أكبر مظاهرة عالمية في يوم واحد"، وعلقت بعد ذلك قائلة إنه بمقارنة صور مظاهرات 2003 بمظاهرات 30 يونيو/حزيران فإنه "من غير المحتمل أن يكون خرج في مظاهرات مصر 30 مليونا أو حتى عُشر هذا العدد".
مصادر عسكرية
يصر معارضو مرسي على رقم 30 مليونا ويرددونه كثيرا في كل مناسبة، وقد حاولت وحدة تابعة لمؤسسة بي.بي.سي البريطانية تختص بمراقبة الإعلام الدولي أن تبحث عن مصدر هذا العدد وغيره من الأعداد المتداولة، لكنها فشلت، وفي أحسن الأحوال وصلت إلى مصادر عسكرية مجهولة. والغريب أنها في الوقت ذاته وجدت بيانا للجيش في وكالة الأنباء المصرية ينفي نفيا قاطعا أن يكون هو مصدر أي من هذه الأرقام.
وفي غمرة لعبة الأرقام هذه فإن موقع ميمو وبي.بي.سي ينبهان رغم ذلك إلى أن "الحشود المزعومة لغوغل إيرث لا يمكنها أن تحل محل الصندوق في تحقيق الإرادة الحقيقية للشعب".
المصدر:الجزيرة