◄◄ الجهاز الجديد اعتمد على تعريفات مطاطة لمعنى «الإرهاب».. ووثيقة سرية تكشف المطالبة بتغيير المسميات فقط من أجل التمويه
لم يكن قرار وزير الداخلية اللواء منصور العيسوى الخاص بإلغاء جهاز مباحث
أمن الدولة بكل إداراته وفروعه ومكاتبه فى جميع محافظات الجمهورية وإنشاء
جهاز جديد تحت اسم «قطاع الأمن الوطنى» واختار لقيادته اللواء حامد عبدالله
هو الأول فى تاريخ الجهاز سواء بالحل أو بتعديل الاسم، تاريخ الجهاز نفسه
يشير إلى أن اسمه وعمله تغير أكثر من مرة منذ أن أسسه الاحتلال الإنجليزى
عام 1913 تحت اسم «قسم المخصوص»، وكان يقوم بتتبع الوطنيين والقضاء على
مقاومتهم للاحتلال، ويعد أقدم جهاز من نوعه فى الشرق الأوسط. واستعان
الاستعمار الإنجليزى فى إنشائه ببعض ضباط البوليس.
وفى عام 1936 تحول إلى جهاز «القلم السياسى» وكان وقتها عبارة عن 3 إدارات
فقط الأولى بالقاهرة والثانية بالإسكندرية والثالثة أطلق عليه القسم
المخصوص ويتبع السراى مباشرة، ويرأسه قائد البوليس الملكى، ولم يكن لوزارة
الداخلية أية ولاية على هذا القسم، حيث كان قائده يتلقى أوامره مباشرة من
الملك..
ثم تم تعديله فى 1952 تحت اسم «المباحث العامة»، ثم أعاد أنور السادات بعد
انفراده بالحكم وتمت تسميته بـ«مباحث أمن الدولة»، ثم تغيرت لافتته إلى
«قطاع مباحث أمن الدولة»، وأخيراً سمى «جهاز أمن الدولة».
وظلت وظيفة ومهام رجل أمن الدولة من دون تغيير يذكر فى كل العصور واستمرت
آليات عمله من دون تغيير يذكر، اللهم إلا إضافة المزيد من الصلاحيات
والسلطات والتغول على كل مؤسسات الدولة، انتقاصاً من حقوق المواطنين
وانتهاكاً لحرياتهم الأساسية.
وظل هذا الجهاز يحمل هذا الاسم حتى القرار الأخير للواء منصور العيسوى
ليتحول من «قطاع مباحث أمن الدولة» إلى «قطاع الأمن الوطنى» وحدد العيسوى
مهام الجهاز الجديد بالحفاظ على الأمن الوطنى والتعاون مع أجهزة الدولة
المعنية لحماية وسلامة الجبهة الداخلية ومكافحة «الإرهاب»، وذلك وفقاً
لأحكام الدستور والقانون ومبادئ وحقوق الإنسان وحريته.
والحقيقة أن تغيير الاسم والمهام مازال يطرح بعض التخوفات من أن يكون هذا
التغيير خدعة استراتيجية وأن يظل هذا الجهاز يمارس نفس الدور الذى حوله إلى
جهاز سيئ السمعة كما كان لدى عموم الشعب المصرى، تلك السمعة التى اكتسبها
بسبب ممارسات وحشية وعمليات تعذيب قاسية وسلطات واسعة مكنته من التحكم فى
جميع مقدرات البلد والتدخل فى خصوصيات المواطنين دون أى مساءلة من أى جهة
تحت غطاء من قانون الطوارئ بل إن عددا كبيرا من المراقبين يرون أن ممارسات
ذلك الجهاز كانت أحد الأسباب القوية فى تفجر انتفاضة الشباب التى أطاحت
بالرئيس المصرى حسنى مبارك من الحكم..
وهناك من الأسباب التى تجعل هذه المخاوف حقيقية، فقرار وزير الداخلية لم
يحمل شيئاً جديدا فى تغيير النشاط خاصة أنه استخدم عبارة «سلامة الجبهة
الداخلية ومكافحة «الإرهاب» وهى نفس العبارة التى كانت تحكم عمل هذا الجهاز
فى السنوات الثلاثين الأخيرة حتى ولو أضيفت له عبارة «وفقا لأحكام الدستور
والقانون ومبادئ حقوق الإنسان وحريتة»، خاصة أن عبارة «مكافحة الإرهاب» هى
عبارة مطاطية لأنه حتى الآن لا يوجد تعريف واضح لمعنى الإرهاب فهناك من
يرى أن الإرهاب هو من الأعمال التى من طبيعتها أن تثير لدى شخص ما الإحساس
بالخوف من خطر ما بأى صورة.
وهناك من يؤكد أن الإرهاب يعنى تخويف الناس من خلال الاستعمال العمدى
والمنتظم لوسائل من طبيعتها إثارة الرعب بقصد تحقيق أهداف معينة منها
القيام بعمل بربرى شنيع من خلال عمل يخالف الأخلاق الاجتماعية ويشكل
اغتصاباً لكرامة الإنسان، وهناك معان أخرى وغير محددة فماهو المعنى الذى
سيقوم على أساسه عمل «قطاع الأمن الوطنى»؟
السؤال بالفعل يمثل تحديا لوزير الداخلية لأنه فى حالة فشله فى وضع تعريف
محدد لمعنى الإرهاب فإن هذا يعنى العودة لنفس الدور القذر الذى كان يلعبه
هذا الجهاز والذى تحول فيه إلى جهاز تجسسى على كل الحركات والتنظيمات
الحزبية والسياسية فى مصر، مستخدماً أدوات وطرقا جديدة تناسب المرحلة
الحالية بل ربما يصل الأمر إلى العودة لعمليات التعذيب الممنهج، خاصة إذا
احتفظ الوزير بكل بالعناصر الحالية التى انحرفت بعمل الجهاز الأصلى إلى
أعمال غريبة بدأت بالتعذيب وانتهت بالتحكم فى كل قرارات فى مصر من الجامعة
حتى الجامع مروراً بالأحزاب والنقابات وجميع التيارات السياسية الأخرى..
سببب آخر لتخوف البعض من قرار الوزير هو أن يكون هذا الحل ظاهرياً وعلى
طريقة تغيير الملابس ويبقى الجسد بنفس المفهوم القديم والأجندة الأمنية
المخيفة التى طبقهاً جهاز مباحث أمن الدولة السابق مستخدمين حكاية مكافحة
الإرهاب فى أن يتم وضع نصف الشعب المصرى تحت المراقبة، كما كان يحدث فى
السنوات الأخيرة.
فمازال قانون الطوارئ كما هو لم يتم إلغاؤه، وحتى لو حدث فإن قانون الإرهاب
المزمع تطبيقه ربما يستخدم من جانب جهاز «قطاع الأمن الوطنى» بصورة تعيد
نفس الشكل السابق لمباحث أمن الدولة ويهدد الديمقراطية والحرية التى خرج من
أجلها ثوار 25 يناير، خاصة أن الوثائق السرية لجهاز أمن الدولة السابق هى
التى أكدت على ضرورة التغيير وأن يكون هذا التعديل مجرد تعديل شكلى فقط
لامتصاص غضب الشعب المصرى، كما أشارت إلى ذلك إحدى الوثائق المسربة من
الجهاز سيئ السمعة.
وتقترح هذه الوثيقة، المحررة للعرض على رئيس جهاز أمن الدولة، الإعلان عن
حل جهاز أمن الدولة بشكل صورى وإعلامى، والإعلان أن ذلك فى إطار تغييره
والسعى نحو امتصاص الدعاوى الإثارية والمناهضة فى هذا الشأن.
وجاء فى هذه الوثيقة أيضاً اقتراح بتغيير اسم جهاز أمن الدولة إلى جهاز
الأمن الداخلى أو جهاز المعلومات الأمنية أو جهاز الأمن الوطنى، أو اسم آخر
حسبما جاء فى الوثيقة.
وجاءت تلك الاقتراحات، بحسب الوثيقة، لاستيعاب ما سمته المطالب الإثارية
المطروحة عبر أبواق الدعاية الإعلامية المناهضة أو ذات الأغراض، والتى توظف
معالجتها لطرح مطالب المتظاهرين سعياً وراء تحقيق نسب مشاهدة عالية لخدمة
مصالحها الخاصة.