ابو اسراء المديـــرالـعــــام
المــود : الجنس : العمر : 42 نقاط : 34690 المشاركات : 1206 المستوى :
| |
ابو اسراء المديـــرالـعــــام
المــود : الجنس : العمر : 42 نقاط : 34690 المشاركات : 1206 المستوى :
| موضوع: رد: قصة الغرانيق في الميزان الخميس 14 مايو 2009, 7:35 pm | |
| رد القصة من حيث الدراية
ومع كون الرواية لا تثبت من جهة الإسناد ، فهناك عدة دلائل في المتن يستحيل معها ثبوت مثل هذا الكلام عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم – ومن ذلك :
أولاً : مصادمة القصة لصريح القرآن ، وذلك لأن ما تفيده هذه القصة مخالف مخالفة صريحة لآيات كثيرة في القرآن ، تنص على أن الله جل وعلا لم يجعل للشيطان سلطاناً على النبي - صلى الله عليه وسلم- وإخوانه من الرسل وأتباعهم المخلصين ، مثل قوله تعالى : {إن عبادي ليس لك عليهم سلطان } (الإسراء 65 ) ، وقوله سبحانه : {إنه ليس له سلطان على الذين آمنوا وعلى ربهم يتوكلون * إنما سلطانه على الذين يتولونه والذين هم به مشركون } (النحل 99- 100 ) ، وقوله سبحانه {وما كان له عليهم من سلطان } (سبأ 21 ) ، وقوله : {وما كان لي عليكم من سلطان إلا أن دعوتكم فاستجبتم لي } ( إبراهيم 22) ، وأي سلطان أعظم من أن يلقي الشيطان على لسان رسوله - صلى الله عليه وسلم – هذه العبارة الشركية الصريحة .
هذا عدا عن مصادمتها للآيات الصريحة التي تفيد حفظ الذكر وصيانته من التحريف والتبديل ، والزيادة والنقص ، كقوله سبحانه : {إنا نحن نزلنا الذكر وإنا له لحافظون } ( الحجر 9) ، وقوله : {وإنه لكتاب عزيز لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه }( فصلت 42) ، وقوله تعالى : {وما ينطق عن الهوى * إن هو إلا وحي يوحى }(النجم 3- 4 ) ، ومن المعلوم أن من الأسباب التي يرد بها الخبر مناقضته الصريحة والواضحة للقرآن .
ثانياً : أنه قد قام الدليل القطعي ، وانعقد الإجماع على عصمته - صلى الله عليه وسلم - من جَرَيان الكفر على قلبه أو لسانه لا عمداً ولا سهواً ، أو أن يتقول على الله لا عمداً ولا سهواً ما لم ينزل عليه ، قال تعالى : {قل ما يكون لي أن أبدله من تلقاء نفسي إن أتبع إلا ما يوحى إلي } (يونس 15) وقال جل وعلا : {ولو تقول علينا بعض الأقاويل * لأخذنا منه باليمين * ثم لقطعنا منه الوتين * فما منكم من أحد عنه حاجزين }(الحاقة 44- 46) ، و قال : { ولولا أن ثبتناك لقد كدت تركن إليهم شيئا قليلاً * إذاً لأذقناك ضِعف الحياة و ضِعفَ الممات }( الإسراء 74- 75) ، وهذه الرويات تناقض تماماً دليل العصمة .
ثالثاً : أن سياق الآيات نفسها من سورة النجم - والتي ذُكر في الرواية أنه تخللها إلقاء الشيطان- فيها قرينة واضحة على بطلان هذه الرواية ، لأنه لو كان السياق كما ذكرت الرواية : ( أفرأيتم اللات والعزى * ومناة الثالثة الأخرى – تلك الغرانيق العلى وإن شفاعتهن لترتجى - ألكم الذكر وله الأنثى * تلك إذا قسمة ضيزى * إن هي إلا أسماء سميتموها أنتم وآباؤكم ما أنزل بها من سلطان ) ، لكان في الكلام من الاضطراب والتناقض وعدم الانسجام ما ينزه عنه العقلاء من البشر فكيف بكلام الله جل وعلا الذي هو أفصح الكلام وأبينه ، إذ ليس من المعقول أن يمدح النبي - صلى الله عليه وسلم - آلهة المشركين ثم يذمها في أربع آيات متعاقبة ، ويبين أنها أسماء سموها ما أنزل الله بها من سلطان .
لا شك أن مثل هذا لا يخفى على من له أدنى تأمل في الكلام ؟ فضلاً عن فصحاء العرب وبلغائهم الذين كانت الكلمة بضاعتهم ، ونظم القصائد ونقد العبارة حديث مجالسهم وأسواقهم ، فهل كان يخفى عليهم مثل هذا الكلام المتناقض ؟! .
رابعاً : أن بعض روايات القصة ذكرت أن فيها نزل قوله تعالى : {وإن كادوا ليفتنونك عن الذي أوحينا إليك لتفتري علينا غيره وإذا لاتخذوك خليلاً * ولولا أن ثبتناك لقد كدت تركن إليهم شيئاً قليلاً } (سورة الإسراء 73- 74 ) .
وهاتان الآيتان تردان القصة ، لأن الله تعالى ذكر أنهم كادوا يفتنونه ولولا أن الله ثبته لكاد أن يركن إليهم ، مما يدل على أن الله عصمه حتى لم يكد يركن إليهم قليلاً فكيف كثيراً ، فنفى عنه قرب الركون فضلاً عن الركون نفسه ، وهذه القصة تدل على أنه زاد على الركون بل والافتراء بمدح آلهتهم ، وأنه - صلى الله عليه وسلم – قال كما في بعض الروايات– وحاشاه من ذلك - : " افتريت على الله ، وقلت ما لم يقل " وهذا ضد مفهوم الآية ، ومن أوضح الأدلة على بطلان القصة .
خامساً : من المعلوم أن مشركي قريش كانوا أحرص الناس على دفع نبوة محمد - صلى الله عليه وسلم - ودحض حجته ، والتشكيك في رسالته ، والبحث عن أي مدخل يمكن أن ينفذوا من خلاله ، ولو صحت هذه القصة لكانت من الشهرة والذيوع واستمساك المشركين بها ما يغنيهم عن تكلف المشاق ، وبذل المهج والأرواح ، ولوجدوا بها الصولة على المسلمين ، ولتسببت في إحداث فتنة لكثير ممن أسلم ، ومع ذلك لم يرو عن معاندٍ فيها كلمة ، ولم يحك أحد في هذه القصة شيئًا سوى هذه الرواية الضعيفة الأصل ، مما يدل على بطلانها واجتثاث أصلها .
سادساً : أن الحديث المروي من طرق صحيحة متعددة في الصحيحين وغيرهما عن عدد من الصحابة كابن عباس و ابن مسعود و ابن عمر و أبي هريرة وغيرهم : ( أن النبي -صلى الله عليه وسلم- سجد بالنجم وسجد معه المسلمون والمشركون والجن والإنس ) وليس في هذه الطرق أي ذكر لقصة الغرانيق ، ولو كانت صحيحة لنقلت عبر هذه الأسانيد .
سابعاً : أنه مع ضعف هذه الروايات و انقطاع أسانيدها ، فإن الاضطراب الحاصل في متنها واختلاف كلماتها أمر بين ظاهر ، فقائل يقول : إن ذلك حصل منه عليه الصلاة والسلام وهو في الصلاة ، وآخر يقول : قالها في نادي قومه حين أنزلت عليه السورة ، وآخر يقول : قالها وقد أصابته سِنةٌ من نوم ، وآخر يقول : بل حَدَّثَ نفسه فسها ، وآخر يقول : إن الشيطان قالها على لسانه وإن النبي - صلى الله عليه و سلم- لما عرضها على جبريل قال : ما هكذا أقرأتك؟! ، وآخر يقول : بل أعلمهم الشيطان أن النبي - صلى الله عليه وسلم- قرأها ، فلما بلغ النبي - صلى الله عليه وسلم- ذلك ، قال : والله ما هكذا أنزلت ، إلى غير ذلك من اختلاف الرواة الذي يضعف به الحديث لاضطرابه وإن صح سنده ، فكيف إذا اجتمع مع اضطراب المتن ضعف السند .
| |
|
ابو اسراء المديـــرالـعــــام
المــود : الجنس : العمر : 42 نقاط : 34690 المشاركات : 1206 المستوى :
| |