كالعادة عقب كل مأساة تحدث في مصر أن يتم الحديث عن
"الطرف الثالث " ...الحديث في هذا الأمر يأخذ مجرى آخر غالبا في ظل غياب
أدلة مادية ملموسة تثبت تورط ما يسمى بالطرف الثالث في أحداث العنف
واستهداف الأبرياء من أبناء الشعب المصري ، و يتم إدارة النقاش على اثر ذلك
بطريقة تهكمية لا تليق بمقام الحدث الجلل ...ويصر البعض على أن ما يحدث هو
نتيجة صراع الطرفين الظاهرين في الصورة : شباب الثورة من جهة والمجلس
العسكري من جهة أخرى ...أما الحديث عن الطرف الثالث فيشبه في كوميديته نفس
الحديث عن اللهو الخفي ... !!
القاعدة تقول : اعرف المستفيد تعرف الفاعل ..
في مقابل ذلك لو نتأمل في قائمة المستفيدين من الوقائع المأساوية التي جرت وتجري الآن فإننا نجدها قائمة عريضة طويلة :
أولا : نزلاء سجن مزرعة طرة :
.كل شهيد يسقط في أي منطقة من مصر يثير بهجتهم وأي فتنة
تحدث تكون مثار غبطتهم و تعطيل مسار الانتقال الديمقراطي من صميم أولوياتهم
وإعادة بناء مؤسسات الدولة من جديد يصيبهم في مقتل لأنه يعني انتهاء عهد
النظام السابق وسقوطه كليا كما أن إرساء دولة القانون يقضّ مضاجعهم لأن أول
من يُطبق عليه القانون هم أزلام النظام السابق وبالتدقيق "عصابة طرة "...
وبناء عليه فان استتباب الأمن ووضوح الرؤية وإجراء محاكمات عادلة وسريعة
معناه تفعيل القانون الذي يكون في غير صالحهم لذلك أكبر مستفيد من الحالة
الراهنة هم هؤلاء ....ومع استمرار موجة العنف وحالة التفلت الأمني وتخريب
المؤسسات كل هذه الأمور ستسحب من رصيد الثورة والثوار والمجلس العسكري
ويعمق الخلافات بين الجميع ويزيد في رصيد النظام السابق وقد ثبت الآن أن
البعض يترحم على النظام السابق وعلى اليد الضاربة لحبيب العادلي وعلى
إمساكه بخيوط اللعبة الأمنية في البلد وهو أمر مقصود لان من أوصل الأمور
إلى هذه الدرجة يريد أن يكرس قناعة عامة لدى الناس وهي أن البديل الوحيد
للنظام السابق هو الفوضى ولا شيء سواها وبالتالي التمهيد لإعادة صياغة
النظام البائد في قالب آخر وبوجوه جديدة ... !!
ثانيا : فلول الحزب الوطني :
. وبعبارة أدق فلول النظام السابق المتواجدون في كل مكان،
ومعلوم أن اكبر تجمع للفلول موجود في مبنى وزارة الداخلية ، ومن الصعب
التصديق بأن كبار ضباط الداخلية الذين أكلوا "عيش وملح" مع "حبيب العادلي "
يمكن أن يتقلص ولائهم لزعيم الداخلية السابق بسهولة وليس بعيدا أن يكون
تحركهم بناء على تعليماته من "سجن طرة "...كما أن نفس العقيدة الأمنية هي
السائدة الآن وهي التي تلقى بظلالها على المشهد الأمني من خلال طريقة
معالجة بعض الملفات التي لم تتخلص من رواسب القمع والعنف المفرط مما يرسم
صورة سوداوية لواقع ظن الكثير أن سيتغير مع العهد الجديد لكنه من المستحيل
أن يتغير في ظل وجود نفس أدوات النظام السابق....؟!
الفلول متواجدون في كل مكان... هذه حقيقة مسلمة ،
متواجدون في مبنى الداخلية وفي الحكومة وفي الشرطة العسكرية وحتى من بين
أفراد المجلس العسكري .. !! الفلول متواجدون في الإعلام ( وما أكثرهم) وفي
الأحزاب ( هناك أحزاب هي نسخة مصغرة للحزب الوطني و في منظمات المجتمع
المدني وفي البرلمان وفي ميدان التحرير ، ومن بين شباب الثورة فلول أيضا ،
ومعنى الفلول أن يكون ولائك للنظام السابق أكثر من ولائك للثورة وأهدافها ،
ودور الفلول هو أن يجدف عكس اتجاه الثورة حتى يوصل رسالة صافية ناصعة
للشعب المصري : " الثورة لم تجلب لكم إلا النكد "
ثالثا : رجال أعمال وأموال مشبوهة:
.الكل يعلم أن النظام السابق أحاط نفسه بمجموعة متنفعين
ونصابين تمت تسميهم رجال أعمال تزييفا وهم في الحقيقية لا هم برجال ولا
يشتغلون في مجال الأعمال بقدر ما امتهنوا النصب والاحتيال ...الكل يعلم
مصدر ثرواتهم التي جاءت عن طريق التربح والرشوة و كيف مكّن اقترابهم من
النظام السابق من الحصول على الأراضي والعقارات بمبالغ زهيدة وكانت لديهم
تسهيلات ومعاملات خاصة في عهد النظام السابق الذي عمل على تربيحهم من خلال
استئثارهم بالصفقات العمومية وبفواتير مضخمة بطريقة أضرت بالمال العام
وضخمت ثرواتهم في مقابل عمولات ورشاوى تحت "الطربيزة " ...وبالتالي من
مصلحتهم أن يبقى الغموض سائدا وتستمر الفوضى وتتعطل عملية بناء مؤسسات
الدولة وأما اتضاح الرؤية واستتباب الأمن يعني أن تفتح ملفاتهم من جديد
ويأخذ القانون مجراه ويفعل "مبدأ من أين لك هذا " ؟! وبالتالي هم يحرصون
على أن يبقى الوضع على ما هو عليه بل أسوء مما هو عليه ويدفعون لأجل ذلك
بسخاء كبير من اجل تامين مصالحهم والحفاظ عليها ...
رابعا : الخاسرون في الانتخابات:
.بطبيعة الحال فان الخاسر في مرحلة ما بعد الانتخابات
انطلاقا من أول استحقاق انتخابي في مصر بعد الثورة استفتاء 19 مارس إلى
الانتخابات النيابية الأخيرة لن يبقى مكتوف الأيدي خاصة وانه يتعامل مع
مسألة الاستحقاق الانتخابي من منطلق "غنيمة الحرب " ..
وحتى لا نتهم
جميع من خسر الانتخابات وأشهرت الإرادة الشعبية إفلاسهم ونضعهم في سلة
واحدة يجب الاعتراف بأن البعض من المحسوبين على التيارات الليبرالية
واليسارية أذعن للإرادة الشعبية ورضي بحكم الصندوق بل عبر عن ترحيبه
بالتجربة الإسلامية في العهد الجديد واستعداده للانخراط في مسعى بناء
الدولة من جديد و لكن من دعا صراحة للانقلاب وحرض على العنف واستخف بالشعب
وأعلن عن عدم قبوله بطريقة فجة لنتائج الانتخابات بزعم أن الشعب جاهل وأمي
فهو متهم ابتداء إلى أن يثبت العكس وقد اظهر انه يستطيع فعل أي شيء من اجل
أن لا تتواصل المسيرة الديمقراطية في مصر .
خامسا : الإعلام وتجار الثورة:
.وسائل الإعلام بكيفية مقصودة أو غير مقصودة تلعب دورا
كبير وتعتبر طرفا ثالثا أيضا من خلال التحريض والتزييف وقلب الحقائق....وهي
بلا شك في قائمة المستفيدين من حالة الفوضى...
البعض منها غرقت سابقا
في مستنقع الدفاع عن الدكتاتورية بتمجيدها للنظام السابق وشيطنة قوى
التغيير وهي الآن بصدد تلميع صورتها ولو على حساب الحقيقة...بعض الإعلاميين
يعتقد أن الشجاعة هي أن تقول ما يقوله الناس ونسوا أن الشجاعة هي قول ما
يعجبن الناس عن قوله ...لذلك يبرعون في شتم المجلس العسكري وفي تعرية
الحكومة وفي الدعوة إلى ثورة ثانية وفي شيطنة كل من يدعو إلى العقلانية
وعدم الانسياق وراء دعوات الفتنة والتحريض و كل ما يسهل قوله الآن ويجعلك
بطلا بلا كبير عناء...الواقع أن موجة "الثورة الثانية " كما يسمونها في
إعلامهم هي فرصة لكل من فاتته فرصة 25 يناير من اجل أن يُسجل في أرشيف
الثورة بطلا أو زعيما أو قائدا وان يحصل على سجل تجاري يمارس به مهنة
"البزنس السياسي " إن كان من زعماء السياسة ... لذلك اصطنعوا أحداثا ووقائع
نفخوا فيها وضخموها لعلها تكون قارب نجاة أو آخر فرصة بعدما فاتهم
القطار...
سادسا : إسرائيل وكل من يزعجهم أن تعود مصر إلى حجمها الطبيعي وتأخذ دورها الاستراتيجي:
.تضم قائمة الطرف الثالث أيضا : إسرائيل وأعوانها في
الداخل والخارج ...إسرائيل التي أعلنت عن أسفها صراحة على رحيل مبارك
وأعربت عن مخاوفها من تداعيات العهد الجديد والواقع أنها لم ترى من مصر
الجريحة والتي لم تستعد عافيتها بالكامل إلا ما يثير هلعها فما بالك بعد أن
تتعافى مصر كليا ...مرحلة ما بعد مبارك أرت إسرائيل جزءا من أسلوب التعامل
الجديد : فتح معبر رفح بصفة دائمة، والاتفاق التاريخي للمصالحة الوطنية
بين فتح وحماس والذي يعني أن الوساطة المصرية في السابق كانت تعمل عكس هذا
المسعى ، واتفاق تبادل الأسرى (الجندي شاليط في مقابل 1027 أسير فلسطيني )
تحت إشراف مصري وهذا يعني استنفاذ إسرائيل جميع الوسائل والحلول الممكنة
واستبعاد فرضية عملية عسكرية شاملة على غرار ما كانت تعمل في عهد مبارك ...
وهروب سفير إسرائيل إلى بلاده وإنزال علم إسرائيل من على مبنى سفارة
إسرائيل لأول مرة منذ اتفاقية السلام في القاهرة ، ودخول الدبابات المصرية
إلى ارض سيناء لأول مرة منذ اتفاقيات كامب ديفيد ...بدون نسيان مراجعة
اتفاقية تصدير الغاز لإسرائيل...
كل هذه الأمور تعتبر عنوانا بارزا
لمرحلة ما بعد مبارك وان عهد "الغنجهية " الإسرائيلية ولّى بغير رجعة...وأن
يأتي المسؤولون الإسرائيليون إلى القاهرة ويعلنوا بداية الحرب والعدوان من
على ارض الكنانة كما كانت تفعل تسيبي ليفني مع مبارك وأبو الغيط أعتقد
أنها أمور أضحت من الماضي، لذلك ليس غريبا أن يعمل الإسرائيليون بمعية جهاز
استخباراتهم وأزلامهم هنا من اجل إيقاف قطار الثورة المصرية ويحولون دون
أن تعود مصر إلى دورها الريادي كأحد قلاع المقاومة العربية ...
وبالتالي فان كل الجهود تتضافر الآن من اجل أن تبقى مصر حبيسة فتن داخلية وصراعات طائفية ومعضلات أمنية ....
و كل من يريد أن تبقى مصر سوقا كبيرة لتصريف نفايتهم يعمل
في هذا الاتجاه، كل من يؤرقه أن يرى مصر عملاقا اقتصاديا تزاحمه على صدارة
الأمم المتحضرة والمتطورة يعمل في هذا الاتجاه، كل من يريد أن تبقى مصر
دائما منقادة غير قائدة مفعول بها غير فاعلة متأثرة غير مؤثرة
كل من
يريد أن تبقى مصر رهينة مساعدات وإعانات خارجية تُبتز بها وترهن قراراتها
السيدة التي تعكس ثقلها التاريخي ومكانتها الاستراتجي ...كل هؤلاء لن
يدخروا جهد من اجل أن تغرق مصر في الفوضى ويعملوا على ذلك في الميدان كلهم
يمكن أن يدرجوا تحت عنوان كبير اسمه : "قائمة كارهي مصر"
ولكم أن تضموا إلى القائمة كل من يزعجه أن تقف مصر على رجليها....