مخطئ من يتصور أن الانتساب إلى التيار الإسلامى يعصم صاحبه
من الزلل أو يضفى عليه هالة ً من القداسة، وأعظم منه خطأ ًمن يتربص
الدوائر بالمنهج الإسلامى نفسه لينقض عليه فى شراسةٍ إذا ما ندت من بعض
منتسبيه هفوةٌ أو زلة.
لأن الإسلام الذى هو دينٌ ومنهاج حياة،
دائماً ما يرسى مبدأ أن الحق لا يعرف بالرجال، وإنما يُعرف الرجال باتباعهم
الحق، لذا فاعرف الحق تعرف أهله، لأن الكل يأخذ منه ويرد عليه إلا رسول
الله صلى الله عليه وسلم، لتظل الشريعة دائماً بمعزلٍ آن تُخذل لأن فلاناً
عصى أو علانا خالف النهج، فإن من يكسب إثماً إنما يكسبه على نفسه، لن يضر
شرع الله شيئاً، فالله متم نوره وإن تخاذلنا أو أقعدتنا الذنوب.
وتتجلى صورة تفريق القرآن بين المنهج وبين أتباعه، فى لومه لكل من أخطأ أو
تجاوز منهم لوماً يصل إلى حد التقريع المباشر كما فى قصة «بنى أُبيرق» من
الأنصار إذ سرق أخٌ لهم يُدعى «طُعمة» درعاً «لقتادة بن النعمان» وخبأ
الدرع فى جوال «دقيق» سُرعان ما ثُقب لأجل حظه العاثر تاركاً أثراً على
خطوات «طعمة» ستجعل الشبهات تحوم حوله، لاسيما وقد لاقاه «رفاعة» عمِ
«قتادة» على هذه الحال وهو قافلٌ من بيت «قتادة».
المهم أن صاحبنا هذا
عمد إلى بيت يهودى يُدعى «زيد» استودعه جوال الدقيق متحججاً بكونه مثقوبا،
على أن يعود ليأخذه مجدداً، وتنفس بعد هذه الحركة الخسيسة الصعداء أن تخلص
من الدرع المسروقة وألصقها برقبة اليهودى.
فلما اكتشفت السرقة
هُرع «طعمة» إلى قومه فحكى لهم خبره وناشدهم الرحم إلا ناصروه على باطله،
وأوعز إليهم أن يتهموا اليهودى لأن الدرع موجودةٌ عنده، فأجمعوا أمرهم على
إلصاق التهمة بـ«زيد»، ولتساعدهم على ذلك سيرة يهود غير السوية فى المدينة
وعداوتهم لرسول الله صلى الله عليه وسلم التى لا تحتاج إلى برهان، فظل
القوم بالنبى صلى الله عليه وسلم يقنعونه أن صاحبهم برىء، وأنه يرى أن الذى
سرق الدرع «زيد» اليهودى، قالوا قد أحطنا بذلك علما، فاعذر صاحبنا على
رؤوس الناس وجادل عنه، فإنه إن لم يعصمه الله بك يهلك، وكيف يُتهم أهل
أُبيرق وهم بيت إسلامٍ وصلاح ويُترك اليهودى–رغم وجود شهودٍ معه على أن
طعمة هو الذى استودعه الجوال وما يدرى اليهودى ما فيه، فلما همَّ رسول الله
صلى الله عليه وسلم بتبرئة «طعمة» أنزل الله من فوق سبع سماوات -لأنه عدلٌ
قد حرم الظلم على نفسه- عشر آياتٍ بتمامها تبرئ اليهودى وتدين أهل أُبيرق
كلهم مفتتحةٌ بقوله تعالى «إِنَّا أَنزَلْنَا إِلَيْكَ الْكِتَابَ
بِالْحَقِّ لِتَحْكُمَ بَيْنَ النَّاسِ بِمَا أَرَاكَ اللَّهُ وَلاَ تَكُن
لِّلْخَائِنِينَ خَصِيمًا» ســورة النســاء «104–115»
شريعةٌ لا تعرف
محاباة ً لأحد، ولا تنصر ظالماً لمجرد كونه مسلماً ولو حتى كان من السابقين
الأولين، فقد حكم الله أنه «لَّيْسَ بِأَمَانِيِّكُمْ وَلا أَمَانِيِّ
أَهْلِ الْكِتَابِ مَن يَعْمَلْ سُوءاً يُجْزَ بِهِ وَلاَ يَجِدْ لَهُ مِن
دُونِ اللّهِ وَلِيّاً وَلاَ نَصِيراً» أى أن الأمنيات وحدها لا تكفى لتعذر
صاحبها بين يدى من لا تخفى عليه خافيةٌ فى الأرض ولا فى السماء، بل يسرى
قانون الثواب والعقاب على الجميع.