ردًّا على زياد العليمي

بقلم: د. محمد العربي تسببت
الألفاظ الجارحة التي جاءت على لسان النائب البرلماني زياد العليمي بشأن
كل من المشير حسين طنطاوي والداعية الشيخ محمد حسان استياء جموع كثيرة من
الشعب المصري الذين رأوا في هاتين الوقعتين خروجًا على المألوف الإنساني
والأخلاقي، ناهيك عن خرقه لقاعدة دينية ثابتة تحث الناس جميعًا أيًّا كانت
ديانتهم وانتماءاتهم على التعامل بالحسنى فيما بينهم.

ولا أدري هل غاب عن الأخ النائب الحدود الدنيا للنقد الموضوعي
البناء والقائمة على أسس ومعايير أخلاقية لا نستطيع نكرانها أو تجاهلها،
ولم يدر وهو يشن هجومه الحاد على المجلس الأعلى للقوات المسلحة في المؤتمر
الجماهيري ببورسعيد أنه تحدث صراحة مؤكدًا أن جرائم المجلس تزداد يومًا بعد
يوم، ثم يصف المجلس ورئيسه بالأعداء وهو لا يدري أنه بسبابه وشتمه الذي
تناول به المشير قد شمل أيضًا المجلس العسكري.

وأتساءل مستفهمًا أو مستنكرًا ما الذي سوّغ كل هذه الاتهامات
التي ليس لها من هدف سوى تأجيج النفوس والمشاعر في وقت نحن في أشد الحاجة
إلى تجميع الجهود لا إلى بعثرتها.
أما أن يكون الكلام حديثًا مرسلاً لا
يقوم عليه دليل واضح ويوجه الحديث لقوم غضاب وينصب البعض أنفسهم قضاة دونما
سند من دستور أو قانون، فهذا عيب صراح.

ولمصلحة من تكال الاتهامات وتشتم الرموز، ومن المستفيد في نهاية
المطاف؟ أهو كلام من أجل الكلام؟ أم هي مزايدات لا يراد بها إلا شق
الصفوف؟

ثم يجمع النائب المحترم بين سوأتين؛ ثانيتهما التهكم من الداعية
الشيخ محمد حسان بعد مبادرته النبيلة للاستغناء عن المعونة الأمريكية التي
كثرت التهديدات بشأنها والتلويح بقطعها.

ويتحدث عنه بأسلوب لا ينم إلا عن ضحالة تفكير وضعف في إدراك كنه
هذه الشخصية، مقللاً من جدوى مبادرته، وغاب عنه حقيقة هامة؛ هي أن
المبادرة هي استنهاض لهمم الشعب المصري للاستغناء عن هذه المعونة التي
نُهدَّد بها بين الحين والحين.

ثم يعيد الكرة مرة بعد المرة عندما يقلل من الشيخ حسان وثقافته
الدعوية، ناسبًا ذلك إلى مؤهله الإعلامي؛ بمعنى أنه ليس من حقه أن يعتلي
المنابر الدعوية بحجة أنه ليس من أهلها.

وأقول له- وليس هذا دفاعًا عن الشيخ ولكنه إحقاق للحق وتصحيح
للمفاهيم المغلوطة التي تتردد على ألسنة الكثيرين ممن يعرفون وممن لا
يعرفون- أن الأئمة الثقات الأعلام برعوا في مجالات متعددة ولم يتقيدوا
بمجال واحد بل تعدوه إلى غيره، وليس هذا كلامًا مرسلاً لا يقوم عليه دليل
بل تؤكده الأدلة والحقائق والبراهين.

فها هو العالم الأندلسي ابن رشد الذي هو بحق ظاهرة علمية مسلمة
متعددة التخصصات، فهو فقيه مالكي وهو قاضي القضاة في زمانه وهو طبيب يفوق
أساتذته، حتى إن أستاذه ابن زهر قال فيه: "إن ابن رشد أعظم طبيب بعد
جالينوس".

وهو فيلسوف عقلاني، وهو فلكي ذو أعمال جليلة وكان أيضًا نحويًّا
بارعًا يحفظ شعر المتنبي، وله في الفقه المقارن "بداية المجتهد ونهاية
المقتصد".

وأيضًا العالم الفذ عمر بن الخيام الذي لا يعرفه البعض إلا برباعياته هو واضع اللبنات الأولى لعلم الهندسة التحليلية.

وكذا الإمام الحجة محمد بن الحسن الشيباني، صاحب أبي حنيفة لا
يذكر إلا في مجال الفقه، لكن- لمن لا يعلم- له مؤلف غاية في الدقة والتصنيف
في القانون الدولي أسماه بالسير الكبير جمع فيه كل ما هو متعلق بالحرب
وعلاقاتها بالمشركين وأحكام الأسرى والأمان والرسل والصلح والتحكيم والفداء
وأهل الإسلام في دار الحرب وجرائم الحرب وغيره.

واعتمد في كل هذا على القرآن والسنة، وهو بهذا يعد أبًا للقانون الدولي سابقًا في هذا المجال الهولندي جروسيوس.

وإثباتًا لفضله قام جماعة من المهتمين بالقانون الدولي بتأسيس
جمعية للقانون الدولي في جوتنجن بألمانيا بعد الحرب العالمية الثانية
وأسموها جمعيه الشيباني للقانون الدولي.

وفي العصر الحديث أناس برعوا في غير مجالاتهم فمارجريت تاتشر
أول رئيسة وزراء في تاريخ بريطانيا، وأحد أشهر الساسة البريطانيين عبر
التاريخ كانت صيدلانية.

والأديب آرثر كونان دويل مبتكر شخصية شيرلوك هولمز كان طبيبًا، ومهاتير محمد رئيس وزراء ماليزيا سابقًا كان أيضا طبيبًا.

ود. طارق السويدان مهندس نفط، ولي إيكوكا الذي كان يتقاضى أعلى
راتب في الولايات المتحد الأمريكية ليس لكونه مهندس ميكانيكا وإنما لكونه
نابغًا في مجال التسويق.

وكذا أجاثا كريستي كاتبة المؤلفات البوليسية الشهيرة جمعت بين
كتابة الروايات وتعلم الموسيقى والتدريب عليها وزيارة المعارض الكبرى، وتعد
كتبها من أكثر الكتب طباعة ومبيعًا، ولو وضعت مجموعة الكتب التي طبعت لها
فوق بعضها لشكلت 20000 كومة يساوي ارتفاع كل واحدة منها برج إيفل بباريس،
أو 3400 كومة يبلغ ارتفاع كل منها قدر ارتفاع قمة إيفرست، وطبع من كتبها
ما يقارب ملياري نسخة، ومبيعاتها تفوق مبيعات الكتب العربية منذ الدولة
الأموية حتى الآن، وتفوق نسبة ترجمة أعمالها إلى لغات العالم نسبة ترجمة
الأعمال العربية منذ عصر الخليفة المأمون.

وأقول للأخ النائب كفانا تقليلاً وتهميشًا ومزايدة على رموز لها
إسهاماتها في الساحة المصرية، وليكن منهاجنا في تعاملنا ونقدنا هو الخلق
القويم والنقد البناء الذي يصحح الأخطاء ويعالجها ويستفيد منها في تكوين
البيئة الصالحة، لا أن يكون النقد هدامًا يفسد اللبنات الصالحة.

وألفت نظر النائب الكريم إلى إمام من الأئمة الإعلام كان غاية
في التواضع مع عظيم الأثر الذي خلفه ولا يزال بين أظهرنا ألا وهو الجامع
الصحيح، إنه الإمام البخاري الذي شهد له معاصروه بالخلق والفهم والعلم
والحلم وأصبح مصنفه مضرب الأمثال ومحط الترحال ومقصد الرجال ومنتهى الآمال،
تأمله يقول في نهاية حياته: "أرجو أن ألقى الله وألا أكون قد اغتبت أحدًا
من خلقه"، وغاية ما كان يقوله في الحديث الساقط والمتروك فيه نظر.

لكني أعزي نفسي والسيدين الكريمين المشير طنطاوي والشيخ حسان
بقول كانت تردده دومًا أم المؤمنين عائشة وهو منسوب للشاعر المخضرم لبيد بن
ربيعة الذي أدرك الجاهلية وصدر الإسلام إذ يقول:

ذهب الذين يعاش في أكنافهم وبقيت في خلق كجلد الأجرب

فكانت تقول رحمها الله: "ماذا لو عاش في زماننا؟!"، ونحن نقول لها بعد كل هذا رحمك الله يا أم المؤمنين ماذا لو عشت في زمان نوابنا!.